الأحداث السورية وتداعياتها اللبنانية والمسيحية
د.نسيب حطيط
تميزت العلاقات اللبنانة -السورية منذ الإستقلال بالمصير المشترك (كتوأم سياسي)وتداخلت شؤونهما السياسية والإقتصادية والأمنية ،وهذا ماأكده إتفاق الطائف والمعاهدات المشتركة، ، فالنظام السياسي في لبنان لا يمكن صناعته إلا بموافقة دمشق او بشراكتها ،وتجاوز التأثير السوري على لبنان ، نصف عمر الإستقلال منذ العام (1976-2005).
لقد تحول المشهد السياسي اللبناني جزء من السياسة الخارجية لسوريا وحتى الداخلية، حيث أن بقاء ألاف الجنود السوريين في لبنان لأكثر من ثلاثين عاما ،شكل فترة تدريبية لهؤلاء الجنود وضباطهم وإستدرجهم إلى أدبيات السلوكيات اللبنانية الحسن منها والسيء ،وكذلك مئات الآلاف من العمال السورييون الذين يعملون في لبنان ويقيمون بشكل شبه دائم فقد (تلقحوا)أيضا بالسلوكيات اللبنانية ، وأختزنوا مشاهداتهم وتجاربهم ،ثم تعرض الشعب السوري والنظام أيضا لتجربة المهجرين العراقيين قبل سقوط صدام وبعده ،والذين يفوق عددهم المليون شخص من أغنيائهم إلى فقرائهم وتنوعهم المذهبي، فزادوا الشعب السوري تجربة ،مما ولد صراعا داخليا في نفوس السوريين قبل بدء الصراع مع النظام، وصاروا أمام أسئلة ورغبات وأحلام متناقضة ،يلفها الغموض والخوف ، فإما الأمن والإستقرار في سوريا و التضحية بالحريات وبعض ضروريات العيش أو المستقبل المجهول كما في العراق والمستقبل القلق وغير المستقر في لبنان.
ولكن السؤال المطروح ما هي التداعيات اللبنانية لتغيير النظام في سوريا؟.
في حال سقوط سوريا بيد المعارضة والجماعات المدعومة أميركيا وسعوديا، فإن القوى الوطنية اللبنانية ستبادر لتجاوز بعض المحاذير للإمساك بالساحة اللبنانية لحماية نفسها حتى لا تتكرر حالة (غزة)والحصار المصري وفق معادلة تبادل الساحات،وفي حال إهتزاز الساحة الأمنية السورية فسيمتد هذا الإنفلات إلى الساحة اللبنانية بسبب الترابط الوثيق ، مضافا إليها العامل الفلسطيني والحركات السلفية والمخابرات المتعددة الجنسيات بالإضافة إلى إغلاق الحدود بحكم الواقع الأمني مما يعرض الإقتصاد والسياحة اللبنانية للخسائر .
وللتذكير فقط أيضا فإن الوجود المسيحي في لبنان كان محميا بعد التدخل السوري عام1976ومنع قوات ياسر عرفات من اقتحام المناطق المسيحية، ويصان الوجود المسيحي الآن بالتفاهم السياسي وانخراط أكبر للقوى المسيحية في الجبهة الوطنية ،لكن ما يثير القلق هو الوجود المسيحي في سوريا حوالي( 8-10%) من الشعب السوري ،والذي كان محميا حتى اللحظة ،وسيتعرض المسيحيون في سوريا إلى ما تعرض له أخوتنا المسيحيون في العراق ومايتعرض له الأقباط في مصرعبر (القاعدة)والحركات السلفية والتكفيريين تحت أعين الإحتلال الأميركي.
وإن هذا الكلام ليس تخويفا أو ترهيبا من الحراك السوري بل قراءة حقيقية للوقائع الديموغرافية والأمنية بعد أحداث11أيلول2001 والغزو الأميركي للعراق وموجة الإرهاب الفكري والمسلح لبعض القوى والدول، بتزاوج غريب بين المال والسلوكية العنصرية على أساس مذهبي وطائفي وقومي ،وهذا ما نشهده في البحرين من تدمير للمساجد والحسينيات أو إزالة المقابر أو في العراق ومصر من تفجير الكنائس وقتل للرهائن على أساس عقائدي منحرف.
نداؤنا لبعض المضللين والمغامرين من السياسيين أو القوى السياسية التي (تستجير بالنار بالرمضاء)والذين يسعون لتأمين مصالحهم بالتبعية للمشروع الأميركي ، ولإيقاظهم من أحلامهم فلينظروا لمن سبقهم(شاه إيران –صدام –مبارك –بن علي ..ز) فليس لأميركا حلفاء بل مصالح ،وفي لعبة الكبار يخسرالصغار والتابعون ويستعملوا كوقود لفتنة حروب التقسيم والتجزئة التي تهدد العالم العربي، ليتحول الى دويلات وممالك وإمارات وكيانات للحكم الذاتي لا تمتلك أبسط مقومات الإستقلال أو الحياة إلا بوصاية أميركية- إسرائيلية ويتحول الجميع بدون استثناء إلى ضحايا ودمى.
فلينتبه الجميع معارضة وموالاة، مقاومة أو تابعين بأن الأوطان لا تقوم بإلغاء الآخر، إنما بالشراكة والإحترام المتبادل وحفظ حقوق الجميع ،ليبقى لبنان وسوريا وكل هذا الوطن العربي المستباح ،وإلا ستتكرر مأساة اللاجئين الفلسطينيين في كل بلد عربي .